كيف تحوّلت عائلة إلى نسغ؟
1.
بدأ الأمر بالخبر الذي انتشر، وقلوب تابعت كل فوتون ضوء يشع من مقاطع فيديو العملية.
رعد في تل أبيب. رعد زمجر، فأضاء قلوبا وألقى الرعب في قلوب. بثّ حي من موقع العملية. بثّ حي لوجه مبتسم، لشابّ يحمل صينية بقلاوة في غزة. بثّ حي من تكبيرات في أزقة باب حطّة في القدس. من معسكرات مؤقتة للاجئين يزرعون الحبق على النوافذ، والأبناء في التراب، والأحلام على الحيطان. معسكرات مؤقّتة وتغطّي، كما لو كانت بثورا، وجه العالم الميت. عالم ميّت وبثّ حيّ
2.
في لحظة قدريّة، هي لحظة انتشار خبر استشهاد رعد انقلب حال العائلة: روتين معهود في الأرض المحتلّة: جثمان في ثلاجة. وحدات خاصة تقتحم الحي. جنود من الوحدة الهندسية يقيسون أبعاد المنزل، ويبحثون عن مواضع لزراعة الحشوات المتفجرة. لاقتلاع المنزل، لزراعة الرعب. وفي المحيط، من النوافذ الجارة، قلوب تلهج بالدعاء للأسرة المحاصرة، فيغافلها الأبناء المنسلّين من حدقات العيون، وشقوق النوافذ، وفتحات الحارات، ويحيطون بالجيش بمطر من الحجارة والهتاف.
تحت مصابيح الشوارع تندلق الثورة، ويشتعل الفتيل الذي يريد العالم كلّه أن يطفئه، وهو متمّ نوره ولو كره العالم كلّه.
يقرر فتحي خازم وعائلته أنّ روتين الاستسلام لأوامر الاحتلال لا يليق بأسرة زرعت ابنها في التراب المؤقت (أو في الثلاجة المؤقتة). ويقررون الرفض.
كيف صارت العائلة نسغا؟ نسغا يسري في القلوب، فتحميها القلوب؟ نسغا أينما سرى في الشوارع اشتعلت الشوارع؟ كمائن لاصطياد أمّ رعد. هتافات تحمل على زفيرها أبا رعد. بنادق فقيرة يحملها من سيدخلون السجون المؤقتة، أو القبور المؤقتة.
3.
في شفاعمرو، البلد التي انسلّ منها خيط رفيع من الوجع، خيط باهت في نسيج النكبة الكبرى، تلهج القلوب، وكذلك في جنين. رعد يكبر في جنين ويقول: أنا من شفاعمرو. يقول البثّ الحيّ أن المنفذ من جنين. تقول شفاعمرو أن المنفّذ من شفاعمرو. تقول الناصرة أن يسوعا منها، بيت لحم لها قول آخر.
4.
لكنّ المهم أنّ الخيط الرفيع والباهت، يمر عبر الخطّ الأخضر. يربط جنين بشفاعمرو، والناصرة التي اعتقلوا منها، خلال ليلتين، ما يزيد عن ثلاثين من شبابها، وبيت لحم التي زفّت خلال زفّة رعد، أمّا لستة أطفال، وفتى يُدفن في تراب مؤقت، والقدس التي انفتح فيها في ليلة واحدة: مائة فتق في الجلد، فتوق مؤقّتة، من احتلال مؤقت.
5.
كيف تحوّلت العائلة إلى نسغ؟
كيف تسري في شوارع جنين، فتلهج القلوب بالدعاء، والحناجر بالهتاف، فتحدّق العيون في الوجود المؤقت للاحتلال المؤقت، وللحملات المؤقتة.
على النسغ والخيط: عائلات حملت أبناءها على ظهورها ليلة النكبة، على طول الطريق من الجليل إلى جنين. وعلى ذات النسغ والخيط ستحمل العائلات ذاتها، بأحفادها الذين كبروا على وعد الجليل ستحمل شتلات حبقها، من نوافذ المخيّمات، حينما تعود إلى الجليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق