واجه
عاصف الرفاعي جهاز الشين بيت لأول مرة حينما كان يبلغ من العمر ستة شهور. آنذاك اقتحموا
منزله في كفر عين واعتقلوا والده. وها هو اليوم يختتم (في ثلاجة مستشفى أساف
هروفيه) عمرا قصيرا، لم يقضه في العيش تحت الاحتلال، بل في محاولات العيش رغما عن
الاحتلال.
حينما
بلغ من العمر 15 عاما. طرّزه الاحتلال برصاص الإم ستة عشرة والتافور، ثم ذهب إلى السجن
كي يفرد خياراته أمام العالم. ثم خرج من السجن، وفرد خياراته في المواجهة، ليصاب
للمرة الثانية في الاشتباك، ويدخل إلى المعتقل، ثم يخرج من الاعتقال ليعود إليه.
كل ذلك قبل أن يتم الثامنة عشرة، وهو، بحسب المواثيق الدولية، سن التكليف.
لا
مواثيق دولية تسري في كفر عين، مسقط رأس عاصف، البعيدة تماما عن "أساف
هروفيه" حيث توفي اليوم متأثرا بصواب القلب ووضوح الرؤيا: وضوح محاولات العيش
رغما عن الاحتلال.
كيف تم
ذلك؟
ببساطة:
استلّ الحديد في الزمن النذل.
بعد
خروجه من السجن، كان عاصف يعاني من السرطان. وقد كان يتلقى العلاج الكيماوي، وقد
كان على أهبة الشفاء والعودة للحياة (تحت الاحتلال)، لكنه كان له قول آخر: بجنون
شديد، في عز تماثله للحياة تحت الاحتلال من جديد، استل الحديد، فصار مطاردا
للاحتلال، وتوقّف، بالضرورة، عن الذهاب لجلسات العلاج الكيماوي، التي ستتحول في
حالة مطاردته إلى مصيدة. وهكذا، انتشر السرطان في جسده، وكأنما كان يطلق من فوهة
الحديد المسلول ما هو أكثر من النار باتجاه الشارع الإلتفافي: كان عاصف الرفاعي
يفرد موقفه من العدالة، ومن الموت على طريق التحرر. لقد استبدل الأمل بالحياة تحت
الاحتلال، بالأمل الضئيل في الخلاص منه. وقضى ما تبقى من عمره محاطا بالأنياب
والعيون والتربص والظلمة، ثم محاطا بالسجانين والنذالة، وممتلئا بالأمل.
أي أمل
يرجى في حياة يقصفها السرطان؟ الأمل في أن تكون للحياة القصيرة معنى.
أيها
الناس. ها قد سقط العاصف على الطريق.. دالا عليها، متجها صوب الصواب.
أيها
الناس:محّصوا في خط عمر عاصف. لقد واجه السرطان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق