22.11.22

في دمّنا عايشين





في تمام العاشرة والنصف من مثل هذه الليلة ستغني الأمهات وهنّ يهدهدن لأطفالهن:

"طار اليعسوب بجناحه يا يُما طار

وتعالى على جراحه بعزم وإصرار"


سيعلّق الأطفال عيونهم بسقوف البيوت المتهالكة، وعلى دهان الحيطان المقشّر تتشيأ الأحلام، قبل أن تذبل الجفون مع الأغنية، وتغوص في الغيم الذي على الجدران.

الغيم الذي يحمل الجناح

الجناح الذي يحمل القلب

القلب الذي يقبض على الرصاصة.

وجه خالد أكر على كلّ السقوف، وتحت كلّ الجفون. اسمه الحركي: الفدائي.

ستحيط هالة القمر، كما لو كانت دالية، بفلسطين والقلب. وتنطلق الشهب الأربعة من شمال فلسطين إلى معسكر ترشيحا. السماء تسمي قطرات المطر بأسماء الذين سقطوا تحت القصف.خالد أكر يفرش ذراعيه:

"الدُّجى، والمدى، جُنحه

نجمةً للصباح الجميل

كرياح الأعالي اختفى

ما أحسّت به غير زيتونةٍ

ألف قلب على

كل غصن بها في الجليل"


على الحافّة، يقف من سقطوا في معركة الشجاعية قبل أسبوعين، يسند مصباح الصوري ساق المقاتل السابح في الغيم.

يمرّ اليعسوب من فوق الخالصة، ينزلق على الرّيح وفي ظهره تلهث الخيل العربيّة، وفي قلبه صرخة الحرب:

تغنّي الأمّهات اللواتي تضج في أرحامهن قلوب شهداء الانتفاضة التي على الأبواب:

"طار اليعسوب يا يما، ووضع اللقاح

في جيب الشراعية وحمل السلاح"

تحت المطر، وفوق أعناق الجنود والحاخامات والمستوطنة تدقّ الإبرة صاعق الرصاصة الأولى الطالعة من المخزن نحو الأسطورة التي أرعبت الجيوش والأمم، فتندلع الأناشيد، وينبثق الشهداء، ويضيء البرق الوجه المنتقم.

يهرب حارس المعسكر من وجه اندفاعة المقاتل النّد، يُدكّ الحصن قبل أن يبدأ الاشتباك بالرعب، يدخل الفتى جوف التنّين وتراب فلسطين المبتلّ يعانق حافر الخيل التي أتت من عطش النهر، واندلعت في الوريد، وصهلت في تجويف البندقية، البسطار لا ينزلق على الطين. ركبة ونصف، ثم يصوّب قلبه نحو التسوية ونحو القمّة العربية ونحو نحور الجزّارين.

لهاث صاعد من جوفه، بخار تتنشّقه الأرض من المواقع الغضّة لدخول الرصاص في جسده.

تزدحم عليه الفوّهات، تشرئبّ أعناق الذئاب، يواصل المروق في لحم التنّين. يخترقه الرصاص، فيكتشف: كلهم يريدون موتي:

القمّة العربية

وأمريكا

والتيار المتنفذ

والساداتيّون

والملك حسين

وصندوق القدس

وإسرائيل

والعالم الحرّ.


يختلج القلب، ثم يواصل القتال:

ليس بوسعنا الموت

ليس بوسعنا الموت.. مطلقا

في الصباح يُنقل جسده إلى مقبرة الأرقام

في الصباح يكتمل فعل الخميرة.

يشقّ الجذر الهادر للانتفاضة الشعبية التراب المبلول بدماء مصباح الصوري وخالد أكر. فينبثق حاتم السيسي غصنا نضرا في شجرة نعلّق على أغصانها قلوبنا.

"وطبعت نجم السما

بالوشم على زندك

الاسم خالد ولكن،

عاشق ولك هندك.

أم الدلال علمك

طبع الأسود عندك

مين يا فتى علمك

عشق الملاح والميل؟

هندك يا أدهم هنا

اصلك وسلسالك.

والناس يا خالد هنا

عمك، هنا خالك.

يا غنوة من قهرنا

اسمك وموالك.

ويّا الربيع والامل

في دمنا عايشين"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق