25.9.21
عن القتال والفنادق
1.
إن صدقت الكراريس الثورية التي حشوا بها رؤوسنا في السجن، فقد لخّص الجنرال جياب، العقل المدبر وراء انتصار ديان بيان فو الذي تسبب في اندحار فرنسا عن أرض فييتنام، تكتيكات حرب الغوار (guerilla warfare) بثلاثة مراحل هي:
أ. اضرب واهرب.
ب.. اضرب وتمركز.
ج. اضرب وتمركز وارفع العلم.
هذا التطور مرتبط دائما، كما هو ظاهر بتنامي قدرات الميليشيات الثورية وتقهقر القوى المعادية.
2.
لو كان جياب يعيش في هذا الزمن لربما احتاج أن يفصّل أن التمركز ورفع العلم يستوجبان، خلاف حشو البنادق بالرصاص، استخدام تكنوقراط مهني قادر على أن يدير حياة الأرض المحررة. (المحاصرة بالضرورة) هذا يعني كل شيء: أطبّاء، مدراء، تقنيين، حرفيين مهرة، و.. مهربين.
يستوجب هذا أيضا: ضمان خط إمداد للأرض المحررة المحاصرة خصوصا في مجال السلع الحيوية، وواحد من الأمثلة الحيّة على عسف النظام الدولي هو "حاسين"، الذي في لبنان. (لدى حاسين آر بي جيه يطلقه كلّما عنّ على باله موالا، وقد أطلقه هذا الأسبوع نحو السماء احتفالا بالوقود الذي امتد خطّه عبر ثلاثة بحار ومحيط وقطع حدود أكثر من دولة لكي يصل إليه، فيشغّل ماتوره) .
3.
إن رغبنا في أن نسرد القصة من منتصفها، علينا أن نرجع بالتاريخ إلى زمن سقوط المعسكر الاشتراكي، زمن هيمنة القطب الأمريكي الواحد ليس فقط على الإرادات السياسية والمجتمعات والإعلام والعسكر، بل وتشديد الرقابة على العملة والتحويلات المالية وحركاتها، وصولا إلى رقمنة العملة ورقمنة العمليات المصرفية ذاتها، وهذا ما يوفّر أمام العدو (العدو هو النظام العالمي دائما) إمكانية الإمساك بالحركة الثورية المسلحة من خناقها. وحينما تسيطر الحركة المسلحة على مساحة من الأرض (أي تحررها من هيمنة النظام العالمي)، فمن الطبيعي أن يفرض النظام الدولي برمّته عليها حصارا. يحصل هذا في غزة، كما يحصل في الغابات التي تسيطر عليها "فارك" (القوات المسلحة الثورية الكولومبية). وفي ظل هذه الظروف، صار من المستحيل على الحركات المسلحة أن تضمن ثبات الإمداد المالي (وهو إمداد ليس دائما مخصصا لتذخير السلاح فحسب، بل ومن أجل إسناد الحاضنة التي تعيش الحركة المسلحة بين ظهرانيها وتوفير الخدمات لها).
4.
هامش المناورة في هذه الظروف شديد المحدودية، وتتم إزاحته في الغالب إلى المناطق الرمادية التي تقل قدرة النظام المصرفي الدولي على تقييدها (طالبان وتجارة المخدرات مثلا.. تنظيم الدولة في سيناء وعمليات التهريب) وأيضا: السودان وفنادق حماس (كما يُدّعى).
5.
بالأمس أعلن نظام الخرطوم عن مصادرة أصول وعقارات وأملاك قال إنها تتبع حماس في السودان. وهو خبر اندلع في شوارع فلسطين كما لو كان مهرجان تشفي أطلقه سحّيجة فتح، الذين تزداد حماستهم بالذات حينما يدور الحديث عن المال والفساد (كما هو حال أي جمهور كرة قدم) ، من باب "من كان بيته من زجاج فلا يجب عليه قذف مقاطعة الجواسيس بالحجارة" (وهذا ليس غريبا على التنظيم الذي يُدار بالصراف الآلي وقبلها بـ "أموال الصمود") علينا هنا أن نتذكر نقطتين:
* في زمن آخر، قبل أن تقدم فتح أوراق اعتمادها لليو أس إيد، كان لفتح وشهيدها الكبير عرفات أصولا وعقارات في الكثير من بلدان العالم (مثلا: مزارع في جنوب إفريقيا، في زمن الأبارتهايد!).
* شتّان ما بين تمويل يتم استجداؤه استجداءً من إسرائيل (كما حصل في القرض الأخير الذي تم تقديمه للسلطة، الشد والجذب في موضوع أموال المقاصة، إلخ)، ومن النظام العالمي، ويخصص في معظمه لميليشيا حرّاس المستوطنات في الضفة (باختلاف تسمياتها: وقائي، مخابرات، أمن وطني، استخبارات، إلخ)، وما بين تمويل في الظل المحدود بعيدا عن كواشف النظام الدولي، يُخصص لمواجهة النظام الدولي ومندوبيه في الإقليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق