قادما من الغياهب، أمدّ شرياني من سجن عتليت، ضابط بريطانيّ داس على ذراعي. الشمس تسقط على قلبي. لوح الصبّار متأهّب، شوكُه في باطن القدم.
أمدّ شرياني من سجن عتليت، رذاذ الملح ينتفض على الصخرة، غلمة البحر وأثر الريح ورائحة المجزرة. نبضي آت من مكان سحيق، من تحت بسطار الجندي الإنجليزيّ ومن القبر الجماعيّ ومن النفق الذي شقّه العرب في زمن الرومان في عين سلوان، فصدّقنا أنّ النفق "روماني".
ندى على الصخر، ندى على الجبين.
أغيب في الغلمة.
أمدّ شرياني من سجن عتليت، قميص مكلل بالتراب المعجون بالعرق وبدمي. أنظر إلى الشرق: من ههنا ستمرق دلال في الحافلة. أتقمّص هيئة المطر وأنهمر على الدم الذي يقطر من باب الباص الأحمر، أحترق على الأسفلت، أسير خيطا ملموما من الماء الأحمر، ساعيا، على الزفت الملتهب، نحو التراب.
يغمس بسطار قاعه فيّ، فلا أصل. وهذا لا يهمّ حقا: فصواريخنا صارت تصل.
أمدّ شرياني، فتأخذني الريح نحو شجرة البطم التي أخفت في عباءتها الظليلة، عبر التاريخ، وبالترتيب: بنتًا تختبئ من الجندرمة، ولغما خبّأه الفلّاحون الغاضبون في زمن الإنجليز، وعائلة في طريقها نحو صيدا، وولدا تعلّم التدخين وعصيان الأوامر وغيّ الأغاني وتعمير البنادق والاستشهاد، وغزالة لن تنقرض لأنّها منذورة لعيون الرضيع الغافي، وأطفالا سيعصون الأوامر، وسيتعلّمون تذخير المراتين، وسيقولون موّالا لن يتذكره أحد عمّن سقطوا على سياج الشوك في المعركة الأخيرة في نحف.
وسينتشرون في كل المنافي
في الكويت، وفي الساقية الحمراء
بعضهم سيواصل تعمير البندقية، وبعضهم سيتقاعد ليكتب مذكّراته ويقبض
وسيسقطون وراء كل صخرة في كل مجابهة
وسينجبون أطفالا للمخيمات، وأطفالا لنفط الخليج، وأطفالا للمواجهة، وأطفالا ليقفوا، بالدور، على باب العالم الحرّ (أي معبر قلنديا).
أطفالا لن يقلّموا أظافرهم، وسيكتبون بالسواد المتجمّع تحتها، على حلمة أمّ التاريخ: "الله وأكبر"
أطفالا سيقرأون، أو يسمعون الأغنية، فترشدهم قلوبهم نحو اشتباك النار، كما لو كانت قلوبهم فراشات، وكما لو كانت النار... حسنا... نار، لا حاجة للتفلسف هنا.
أطفالا لن يقلّموا أظافرهم، وسيكتبون بالسواد المتجمّع تحتها، على حلمة أمّ التاريخ: "الله وأكبر"
أطفالا سيقرأون، أو يسمعون الأغنية، فترشدهم قلوبهم نحو اشتباك النار، كما لو كانت قلوبهم فراشات، وكما لو كانت النار... حسنا... نار، لا حاجة للتفلسف هنا.
سطوح بيضاء، بحر أزرق يمور، سفن الغزاة الهاربين من المحرقة، طرّاد عسكريّ في طريقه نحو غزّة، غزّة في طريقها إلينا، تزحف، كما لو كانت خيط دم رفيع، على أسفلت ساخن. وحين تجيء حبيبتي كي تقابلني في امتداد الزمن، تضع على قبري قرنفلة، ثم نضحك معا:
"إمك العقربة، بعدها بتدوّرلك على عريس؟"
أتجاهل اقتضاب الكلمات، واحتقان العينين، وأغوص في تراب الولجة. غشاوة ترفع عن عيني، أرتفع ثم أتقمّص غيمة تحتضن التلّ في ساعة الصباح: ها هي عائدة الآن، ملفّعة بقلبي وبمنديلها وبالبكاء، إلى دوام الجامعة، قرب ملصق يحمل صورتي، سيتقشّر عما قريب. أحضن الغيمة وأقول في سرّي: سأزورها في الحلم.
ثم أذوب في التراب.
في الزقاق القديم تغوص قدم السيّد المكلل بالشوك بالتراب يمدّ شريانه نحو قاع الكرمل، ضابط إنجليزيّ ينظّف سلاحه من دمي، يربت السيّد المكلل بالشوك على كتفي: "الصليب محتمل، لكنّ المتفرّجين كثر، وهذا أكثر من أن يُحتمل".
أحدّق فيه
شايفك قبل هيك!
أحدّق فيه:
زياد النخالة؟
لكنه يواصل الثرثرة: حينما يتعيّن عليك حمل الصليب، توقّف عن نبش الهواء بحثا عن مجاز. احمله وامضِ.
أحدّق فيه:
زياد النخالة؟
لكنه يواصل الثرثرة: حينما يتعيّن عليك حمل الصليب، توقّف عن نبش الهواء بحثا عن مجاز. احمله وامضِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق