5.5.17

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة






وبعد.
تأتي هذه التدوينة، يا أصدقاء، من باب "اللهم اجعلنا ممن اجتهد فأخطأ". سيقرأ البعض السطور التالية ويتساءلون إن كان كاتبها قد عانى ظروف التحقيق أو السجن، أو جرّب النوم في الزنزانة. هذه أسئلة محتملة ، لكن الإجابة عليها ليست مهمّة. هذه أسئلة لا علاقة لها بموضوع التدوينة نفسه. في اليوم التاسع عشر للإضراب عن الطعام. وهو إضراب بدأ مرتبكا ومربكا. كما يعلم الجميع. بتنا جميعا مطالبين بالنزول إلى الشوارع. وأنا أنتسب إلى هؤلاء الـ "جميعنا" ومن حقي، على الأقل بالارتكاز إلى هذه الحقيقة وحدها، أن أطرح أسئلتي أدناه:


سؤالي الأول متأتّ من هذه المقدمة بالذات: نحن في اليوم التاسع عشر للإضراب: هل هنالك من يقوم بتقييم الحالة؟ هل هنالك من يتابع تأثير هذا الإضراب على الحكومة الإسرائيلية؟


أقول الحكومة الإسرائيلية، لا "المجتمع" الإسرائيلي لأن هذا المجتمع مغيّب كما يعلم الجميع. وأقول الحكومة الإسرائيلية ، لا سلطة السجون. لأنه قد بات من الواضح أن من يدير المعركة على الطرف الآخر هو الحكومة. الكابينِت وضوحا (في تقرير منشور في صحيفة معاريف صباح اليوم الجمعة 5.5، تطرّق ياريف كوهين، نائب مدير سجن نفحة، إلى الإضراب قائلا أن "هذه المسألة تعد مسألة أمن قومي، لا مسألة خاصة بسلطة السجون" أي أن من يدير المعركة منذ بدايتها سياسيا ودبلوماسيا هو الحكومة الإسرائيلية.


بدا الأمر واضحا في زيارة مسؤول عمليات التنسيق الأمني في الضفة، محمود عبّاس، إلى واشنطن يوم أمس. فالحكومة الإسرائيلية تولي مسألة تحطيم السجناء والحركة الأسيرة أولوية كبرى. ويتسابق أعضاؤها على محاولة القفز على ظهور السجناء، لمغازلة جمهور اليمين الإسرائيلي. وعلى جانب آخر، و بضغط من جهات مؤيدة لإسرائيل تم دفع ترامب دفعا إلى مساءلة "عباس هذا" بالأمس في واشنطن، عن مغزى قيام السلطة بدفع مخصصات لأهالي المعتقلين.  فإسرائيل(وبالتالي: الولايات المتحدة) تعتبر دفع المخصصات لأهالي الأسرى "دعما للإرهاب".
 لم يبدأ  اهتمام الوزراء الإسرائيليين بالأسرى مع الزحف الديبلوماسي المظفّر الذي شنّف ناصر اللحام مسامعنا بأخباره منذ وطئت قدماه المرجة الخضراء باب البيت الأبيض *. فقد وجد أعضاء الحكومة الذين يبحثون عن دم يريقونه أمام جمهورهم، ضالتهم في أسرى حماس منذ زمن بعيد. صرّح وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، مثلا، أثناء اجتماع الكابينت بتاريخ 5 أيار 2016 قبل عام بالضبط، أنه يطالب بزيادة القيود على معتقلي حركة حماس. وهو منذ ذلك التاريخ يحاول استعراض عضلاته على الأسرى.


أردان هو من يقود معركة الإضراب من الطرف الإسرائيلي: وقد قام يوم أمس 4 أيار، بزيارة تفقّدية لوحدة مسادا وهي الوحدة المخصصة لقمع الأسرى في السجون. لهذه الزيارة دلائلها، بالإمكان الاطلاع على وسائل القمع الكثيرة التي استعرضها زعران مسادا أمام المسؤول عنهم. وإلى جانب ذلك، فمن المتوقع أن يلتقي هذا الوزير، حسبما أوردت صحيفة "هآرتس" صبيحة اليوم الجمعة،  بالمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية لبحث موضوع جلب أطباء من الخارج، ليقوموا بما يرفض الأطباء الإسرائيليون القيام به امتثالا لأوامر نقابتهم، من عمليات الإطعام القسري للسجناء. وفي الأثناء: تجري التحضيرات على قدم وساق لإقامة المشافي الميدانية في ساحات السجون، للأسرى المضربين.


ليس من العيب أن نطرح السؤال الثاني، في ظل هكذا ظروف: هل نجري نحن تقييما ما تم إنجازه حتى الآن في اليوم التاسع عشر من الإضراب؟ هل نعي حقا أننا الآن في حرب؟


في علم الحروب، يتم، بشكل دوري، توظيف ممارسة الـ BDA وهي مصطلح اختزالي لعبارة " تقييم ضرر المعركة" . هذه الممارسة هي فعل تقييم دائم للضرر المتسبب للعدو ** لتحديد  المسار المفترض للمعركة. تكمن قيمة هذه الممارسة في تحويل التكتيك العسكري (ولاحقا الهدف الاستراتيجي)، إلى مسألة مرنة وقابلة لإعادة التموضع تبعا لمسار المعركة. نتراجع، نتقدم، نصمد، أو ننكفئ حتّى، وفقا لميزان الخسائر ومدى نجاح التكتيك الحالي في تقريبنا من الهدف المطلوب. 
 فهل نحن نقترب حقّا من تحقيق هدف ما؟ هل نعرف ما هو هذا الهدف؟ أنا والله أسأل مستفهما، لا مستنكرا. لأن لا أحد يتابع، وما من أحد يعلن.  إن كل ما نسمعه حتى الآن هو صوت هتافاتنا في المظاهرة المركزية التي حررت ميدان نيلسون مانديلا وسط رام الله. وكل ما نسمعه حتى الآن محاولات لاستعطاف الناس من أجل المشاركة في المعركة، أو خطبا حماسية. وأخشى ما أخشاه أن ينتهي هذا الإضراب بانتصار آخر شبيه بتلك الإنتصارات التي أعلن عنها راديو فلسطين بعد كل إضراب عن الطعام، من دون أن يجرب أحد على هذا الطرف من الجبهة استخلاص العبر (للمعلومية فقط: بعد كل إضراب جماعي عن الطعام، تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتعيين لجنة لاستخلاص العبر. وهكذا، يبدو أن انكسار الإضرابات من دون تحقيق أي من مطالبها ليس قدرا محتوما، بل هو نتيجة حتمية لاستخلاص العبر على أحد الأطراف، والإصرار على تكرار الخطأ نفسه من طرف آخر)





وعلى سيرة استخلاص العبر:
قبل يومين، أثناء تجوالي في رام الله، التقيت بصديقين، يعملان في مجال الفن، كان ذلك في اليوم السابع عشر للإضراب، فقد تداعى الفنّانون لدراسة ما يمكن أن يقدموه دعما لإضراب الأسرى.  في اليوم السابع عشر، نبدأ بالتفكير فيما يمكن أن يدفع الناس إلى الشوارع. ليس قبل إعلان المعركة. بل في عزّها (وأخشى ما أخشاه أن نكون في آخرها)

لقد قرر شخص ما أنه قد جاء دور الفن. جاء دور حشد الجماهير. في اليوم التاسع عشر، بعد أن قبّع الذي قبّع، وربّع من ربّع.

_____

* (تتضارب الروايات حول الانتصار الأجمل، والأثمن الذي تحقق في تلك الزيارة فهل هو إحراق قلب بنيامين نتنياهو لأن ذلك العبّاس، هو واحد من العشرة الأوائل على الزعماء- الفرع الأدبي، بحسب ناصر اللحام، ممن دخلوا البيت الأبيض في عهد ترامب. والبعض الآخر يقول أن انتصارنا كان أكبر فترامب أطنب في كيل المدائح للتنسيق الأمني، باعتباره واحدة من أعاجيب الدنيا (وهو فعلا أعجوبة، إن أردتم الصدق)

 ** لاحقا، وفي أعقاب الحرب على العراق، أعادت تقارير صادرة عن جهاز المخابرات المركزية الأميركي (من ضمنها هذا، مثلا) ، الذي تركز مجهود فرق كاملة من العاملين فيه في تقييم أضرار المعارك، صياغة المصطلح ليصير "تقييم ضرر القنبلة" . وذلك بسبب تغيّر طبيعة الحرب، وارتكازها بشكل أساسي على القصف من بعيد. باستخدام المقذوفات التي تطلق عن بعد (صواريخ توما هوك، قنابل مقذوفة من عل، إلخ..)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق